كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قتادة ومقاتل والثمالي: كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا كل رجل منهم على عشرة آلاف.
قالوا: فجاءوا وأخذوا مجالسهم فقالت لهم بلقيس: {قَالَتْ يا أيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}.
قال قتادة: حسن، نظيره قوله: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58].
قال ابن عباس: شريف بشرف صاحبه.
الضحاك: سمّته كريمًا لأنّه كان مختومًا، يدلّ عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن شاذان قال: حدّثنا جبعويه بن محمد قال: حدّثنا صالح بن محمد بن محمد بن مروان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كرامة الكتاب ختمهُ».
وأنبأني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدّثنا عمرو قال: حدّثني أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي قال: حدّثنا إسحاق بن منصور قال: حدّثنا معاذ بن هشام قال: حدّثني أبي عن قتادة عن أنس قال: لمّا أراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى العجم، قيل له: أنّ العجم لا يقبلون إلاّ كتابًا عليه خاتم، فاصطنع خاتمًا، فكأني انظر إلى بياضه في كفّه.
قال ابن المقفّع: مَن كتب الى أخيه كتابًا ولم يختمه فقد استخفّ به لأن الختم ختم، وقيل: سمّته كريمًا لأنّه كان مصدّرًا ببسم الله الرَّحْمن الرحيم {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} وقرأ أشهب العقيلي: إلا تغلوا علىّ بالغين معجمة، وأتوني مسلمين مؤمنين طائعين.
{قَالَتْ يا أيها الملأ} قال ابن عباس: كان مع بلقيس مائة ألف قيل، مع كلّ قيل مائة ألف، والقيل تلك دون الملك الأعظم {أَفْتُونِي في أَمْرِي} أشيروا عليَّ فيما عرض لي وأجيبوني فيما أُشاوركم فيه {مَا كُنتُ قَاطِعَةً} قاضية وفاصلة {أَمْرًا حتى تَشْهَدُونِ} تحضروني.
قالوا مجيبين لها {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ} في القتال {وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} عند الحرب {والأمر إِلَيْكِ} أيتها الملكة {فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ} تجدينا لأمرك مطيعين.
فقالت بلقيس لهم حين عرضوا أنفسهم للحرب {قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} عنوة وغَلبة {أَفْسَدُوهَا} خرَّبوها {وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً} أي أهانوا أشرافها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر، وتناهى الخبر عنها هاهُنا فصدّق الله سبحانه قولها فقال: {وكذلك يَفْعَلُونَ}.
أنشدني أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدني أبي رحمه الله:
انَّ الملوك بلاء حيث ما حلّوا ** فلا يكن لك في أكنافهم ظل

ماذا تؤمّل من قوم إذا غضبوا ** جاروا عليك وإن أرضيَتهم مَلّوا

وإن مدحتهمُ خالوك تخدعهم ** واستثقلوك كما يُستثقل الكَلّ

فاستغن بالله عن أبوابهم أبدًا ** إنّ الوقوف على أبوابهم ذلّ

{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} وذلك أنّ بلقيس كانت لبيبة قد سيست وساست، فقالت للملأ من قومها: إنّي مرسلة الى سليمان وقومه بهديّة أصانعه بذلك عن ملكي واختبرهُ بها أملك هو؟ فإن يكن ملكًا قبل الهديّة وانصرف، وإنْ يكن نبيًّا لم يقبل الهدية ولم يرضه منّا إلاّ أن نتّبعه على دينه، فأهدت إليه وصيفًا ووصائف.
قال ابن عباس: ألبستهم لباسًا واحدًا حتى لا يعرف ذكر من أُنثى.
وقال مجاهد: أُلبس الغلمان لباس الجواري وأُلبس الجواري لبسة الغلمان، واختلفوا في عددهم فقال مقاتل: مائة وصيف ومائة وصيفة. وقال مجاهد: مائتي غلام ومائتي جارية. وقال الكلبي: عشرة غلمان وعشر جواري. وقال وهب وغيره: خمسمائة غلام وخمسمائة جارية.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: حدّثنا ابن فنجويه قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت البناني في قوله: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} قال: أهدت له صفائح ذهب في أوعية الديباج، فلمّا بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموّهوا له الآجرّ بالذهب ثم أمر به فأُلقي في الطريق، فلمّا جاؤا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان، قالوا: قد جئنا نحمل شيئًا نراه ههنا ملقىً ما يُلتفت إليه، فصغر في أعينهم ما جاءوا به، وقيل: كانت أربع لبنات من ذهب. وقال وهب وغيره من أهل الكتب: عمدت بلقيس الى خمسمائة جارية وخمسمائة غلام فألبست الجواري لباس الغلمان، الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان لباس الجواري، وجعلت في سواعدهم أساور من ذهب، وفي أعناقهم أطواقًا من ذهب، وفي آذانهم قُروطًا وشنوفًا مرصّعات بأنواع الجواهر، وحُملَت الجواري على خمسمائة رَمكة والغلمان على خمسمائة برذون، على كل فرس لجام من ذهب مرصّع بالجواهر وغواشيها من الديباج الملونة، وبعثت إليه أيضًا خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجًا مكلّلًا بالدرّ والياقوت المرتفع وأرسلت إليه أيضًا المسك والعنبر وعود الالنجوج، وعمدت الى حقّة فجعلت فيها دّرة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معرجة الثقب، ودَعت رَجُلًا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمّت إليه رجالًا من قومها أصحاب رأي وعقل وكتبت معه كتابًا نسخة الهدية وقالت: إن كنت نبيًّا فميّز بين الوصفاء والوصيفات، وأخبرْ بما في الحقّة قبل أن تفتحها وأثقب الدرّة ثقبًا مستويًا وأدخل خيطًا.
الخرزة وأمرت بلقيس الغلمان فقالت: إذا كلّمكم سليمان فكلّموه بكلام فيه تأنيث وتخنيث شبه كلام النساء، وأمرت الجواري أن يكلّمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال، ثمَّ قالت للرسول: انظر الى الرجل إذا دخلت عليه، فإن نظر إليك نظرَ غَضَب فاعلم أنّه ملك ولا يهولنّك منظره فأنا أعزّ منه، وإن رأيت الرجل بشًّا لطيفًا فاعلم أنّه نبي مُرسَل فتفهّم قوله وَرُدّ الجواب.
فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعًا إلى سليمان عليه السلام فأخبره الخبر كلّه، فأمر سليمان عليه السلام الجنّ أن يضربوا لبنات الذهب والفضة ففعلوا، ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى تسع فراسخ ميدانًا واحدًا بلبنات الذهب والفضة، وأن يجعلوا حول الميدان حائطًا شُرفها من الذهب والفضة ففعلوا، ثم قال: أيّ الدوابّ أحسن ممّا رأيتم في البرّ والبحر؟ قالوا: يا نبي الله إنّا رأينا دوابّ في بحر كذا وكذا منمّرة منقطعة مختلفة ألوانها، لها أجنحة وأعراف ونواصي.
قال: عليَّ بها الساعة، فأَتوا بها، فقال: شدّوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضّة، وألقوا لها علوفها.
ثم قال للجنّ: عليّ بأولادكم، فاجتمع خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان ويساره، ثم قعد سليمان عليه السلام في مجلسه على سريره ووُضع له أربعون ألف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره، وأمر الشياطين أن يصطفّوا صفوفًا فراسخ، وأمر الإنس فاصطفّوا فراسخ، وأمر الوحش والسباع والهوامّ والطير فاصطفّوا فراسخ عن يمينه ويساره.
فلمّا رأى القوم الميدان ونظروا إلى ملك سليمان عليه السلام ورأوا الدوابّ التي لم تر أعينهم مثلها تروث على لبنات الذهب والفضة، تقاصرت إليهم نفسهم وبقوا بما معهم من الهدايا.
وفي بعض الروايات أن سليمان عليه السلام لمّا أمر بفرش الميدان بلبنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم وضعًا على قدر موضع اللبنات التي معهم، فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليًا وكلّ الأرض مفروشة خافوا أن يتّهموا بذلك فطرحوا ما معهم في ذلك المكان.
قالوا: ثم جاءوا، فلمّا رأوا الشياطين نظروا إلى موضع عجيب ففزعوا فقال لهم الشياطين: جوزوا فلا بأس عليكم، فكانوا يمرّون على كردوس كردوس من الجن والإنس والطير والسباع والوحش حتى وقفوا بين يدي سليمان عليه السلام فنظر إليهم سليمان نظرًا حسنًا بوجه طَلِق وقال: ما وراءكم؟ فأخبرهُ رئيس القوم بما جاءوا له وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه فقال: أين الحُقّة فأتى به فحرّكها، وجاءه جبرئيل عليه السلام فأخبره بما في الحُقّة فقال: إنَّ فيها درة يتيمة غير مثقوبة وجزعة مثقوبة معوجّة الثقب، فقال الرسول: صدقت فاثقب الدّرة وأدخل الخيط في الخرزة فقال سليمان عليه السلام: من لي بثقبها؟ فسأل سليمان الإنس فلم يكن عندهم علم ذلك، ثمَّ سأل الجانّ فلم يكن عندهم علم ذلك، ثم سأل الشياطين فقالوا: ترسل الى الأرضة فجاءت الأرضة وأخذت شعرة في فيها دخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان عليه السلام: حاجتك؟ فقالت: تصيّر رزقي في الشجرة فقال: لك ذاك، ثمَّ قال: مَن لهذه الخرزة يسلكها؟ الخيط فقالت دودة بيضاء: أنا لها يا رسول الله، فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال سليمان: حاجتك؟ قالت: تجعل رزقي في الفواكه قال: لك ذاك، ثمَّ ميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأُخرى ثم تضرب به على الوجه، والغلام كان يأخذهُ من الآنية يضرب به وجهه، وكانت الجارية تصبّ على باطن ساعدها، والغلام على ظهر الساعد، وكانت الجارية تصب الماء صبًّا، وكان الغلام يحدر الماء على يده حدرًا، فميّز بينهنَّ بذلك ثم ردّ سليمان عليه السلام الهديّة.
{قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} اختلف القُرّاء فيه فقرأ حمزة ويعقوب أتمدّونّي بنون واحدة مُشدَّدة، غيرهما بنونين خفيفتين وحذف الياء، ابن عامر وعاصم والكسائي وخلف، الباقون بإثباته.
{فَمَآ آتَانِيَ الله خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} لأنّكم أهل مفاخرة الدنيا والمكابرة بها ولا تعرفون غير ذلك، وليست الدنيا من حاجتي لأن الله سبحانه قد مكّنني منها وأعطاني فيها ما لم يعط أحدًا ومع ذاك أكرمني بالدين والنبوّة والحكمة، ثمَّ قال للمنذر بن عمرو آمر الوفد {ارجع إِلَيْهِمْ} بالهدية {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ} لا طاقة {لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ} أي من أرضها وملكها {أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} ذليلون إن لم يأتوني مسلمين.
قال وهب وغيرهُ مِن أهل الكتب: لما رجعت رُسل بلقيس إليها من عند سليمان عليه السلام قالت: قد والله عرفت ما هذا بمَلِك، وما لنا به طاقة، وما نصنع بمكاثرته شيئًا، فبعثت إلى سليمان: إنّي قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجُعل في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض، في آخر قصر من سبع قصور لها، ثم أغلقت دونه الأبواب ووكلت به حرّاسًا يحفظونه ثمَّ قالت لمن خلّفت على سلطانها: احتفظ بما قبلك وسرير ملكي، فلا يخلص إليه أحد ولا يزيّنه حتى آتيك، ثم أمرت مناديًا فنادى في أهل مملكتها يؤذنهم بالرحيل، وشخصت الى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل أُلوف كثيرة.
قال ابن عباس: وكان سليمان رجلًا مهيبًا لا يبتدئ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يومًا فجلس على سرير ملكه فرأى رهجًا قريبًا منه فقال: ما هذه؟ قالوا: بلقيس يا رسول الله، قال: وقد نزلت منّا بهذا المكان؟.
قال ابن عباس: وكان ما بين الكوفة والحيرة قدر فرسخ فأقبل حينئذ سليمان على جنوده فقال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي مؤمنين. وقال ابن عباس: طائعين. واختلف أهل العلم في السبب الذي لأجله أمر سليمان عليه السلام بإحضار العرش فقال أكثرهم: لأن سليمان عليه السلام علم أنها إن أسلمت حُرم عليه ما لها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يُحرم عليه أخذه بإسلامها.
وقال قتادة: لأنه أعجبته صفته لمّا وصفه الهدهد فأحبَّ أن يراه.
قال ابن زيد: أراد أن يختبر عقلها فيأمر بتنكيره لينظر هل تثبته إذا رأته أم تنكره؟ وقيل: قدرة الله سبحانه وعظيم سلطانه في معجزه يأتي بها في عرشها.
{قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن} وهو المارد القَوي، وفيه لغتان: عفريت وعفريه، فمَن قال عفريت جمعه عفاريت، ومَن قال عفرية جمعَه عفارت.
قال وهب: اسمه كوذى، وقال شعيب الجبائي: كان اسم العفريت ذكوان، وقال ابن عباس: العفريت: الداهية، وقال الضحّاك: هو الخبيث.
ربيع: الغليظ. الفَراء: القوىّ الشديد. الكسائي: المنكر، وأنشد:
فقال شيطان لهم عفريت ** مالَكمُ مكث ولا تبييت

وقرأ أبو رجاء العطاردي قال: عفريه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي سمرة البغوي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن شاذان البغدادي قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن سهل قال: حدّثنا عبد الرَّحْمن البحتري قال: حدّثنا عمرو بن عثمان قال: حدّثنا أبي عن عبد الله بن عبد العزيز القرشي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه كان يقرأ: قال عفريه من الجنّ والعفريه البكر بين البكرين لم يلد أبواه قبله شيئًا ولم يَلد هُوَ شيئًا.